فصل: (سورة الكهف: الآية 79).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى محمود بن قتادة عن أبي سعيد الخدري أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون كما قال الله عزّ وجلّ: {وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء: 96] فيغشون الأرض وينحاز المسلمون عنهم إلى حصونهم ومدائنهم حتى إن أولهم يمرون بالنهر من أنهار الأرض» قال أبو الهيثم: الدجلة فيشربون حتى يصير يابسة، فيمر به الذين من بعدهم فيقولون: لقد كان بهذا المكان ماء مرّة، حتى إذا ظهروا على أهل الأرض قالوا: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، وبقي أهل السماء.
قال صلى الله عليه وسلم: «فيهزّ أحدهم حربته ثمّ يقذفها إلى السماء فترجع إليه مختضبة دمًا للفتنة. فبينا هم كذلك إذ يبعث الله عزّ وجلّ عليهم دودًا كنغف الجراد فيموتون موت الجراد، فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حسًا، فيقولون: هل من رجل يشتري لنا نفسه فينظر ما فعل هؤلاء القوم؟ فينزل رجل منهم قد أيقن أنه مقتول، فيجدهم موتى بعضهم على بعض فينادي أصحابه: أبشروا، فقد كفاكم الله عزّ وجلّ عدوّكم. فيخرج المسلمون فيرسلون مواشيهم فيهم فما يكون لها رعىً غير لحومهم وتكثر عليه كأحسن ما تكثر على شيء من النبات أصابته قط».
قال وهب: إنهم كانوا يأتون البحر فيشربون ماءها، ويأكلون دوابّها، ثمّ يأكلون الخشب والشجر ومن ظفروا به من النّاس، ولا يقدرون أن يأتوا مكّة ولا المدينة ولا بيت المقدس.
في قوله تعالى: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} قرأ أهل الكوفة: {خراجًا} بالألف. الباقون بغير ألف، وهما لغتان، بمعنى واحد. وقال أبو عمرو بن العلاء: الخرج: ما تبرّعت به، والخراج: ما لزمك أداؤه. {على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}: حاجزًا فلا يصلون إلينا؟ {قَالَ} لهم ذو القرنين: {مَا مَكَّنِّي} على الإدغام. وقرأ أهل مكة: {ما مكنني} بنونين بالإظهار {فِيهِ رَبِّي} وقوّاني عليه {خَيْرٌ}، ولكن {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}: حاجزًا كالحائط والسدّ. قالوا: وما تلك القوّة؟ قال: «فعلة وصنّاع يحسنون البناء والعمل والآلة». قالوا: وما تلك الآلة؟ قال: {آتُونِي زُبَرَ الحديد} يعني: أعطوني قطع الحديد، واحدتها زبرة، فأتوه بها، فبناه {حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصدفين}، وروى مسلم بن خالد عن سعيد بن أبي صالح قال: بلغنا أنه وضع الحطب بين الجبلين، ثمّ نسج عليه الحديد، ثمّ نسج الحطب على الحديد، فلم يزل يجعل الحطب على الحديد والحديد على الحطب {حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصدفين}، وهما الجبلان بضمّ الصاد والدال، وفتحهما وأمر بالنّار فأُرسلت فيه، ثمّ {قَالَ انفخوا}، ثمّ جعل يفرغ القطر عليه، فذلك قوله تعالى: {آتوني أُفْرِغْ}: أصب عليه {قِطْرًا}، وهو النحاس المذاب. قال: فجعلت النّار تأكل الحطب ويصب النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس.
{فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ} ويعلوه من فوقه، {وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا} من أسفله. قال قتادة ذُكر لنا أن رجلًا قال: يا نبيّ الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج. قال: «انعته لي». قال: كالبرد المحبّر؛ طريقة سوداء وطريقة حمراء. قال: «قد رأيته».
{قَالَ} ذو القرنين لمّا فرغ من بنائه يعني هذا السّد: {هذا} السّد {رَحْمَةٌ}: نعمة {مِّن رَّبِّي}؛ فلذلك لم يقل: هذه. {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} ملتزقة مستوية بالأرض من قولهم: ناقة دكّاء أي مستوية الظهر لا سنام لها. ومن قرأ: {دكًّا} بلا مدّ فمعناه: مدكوك يومئذ، {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}.
{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ}، يعني الخلق {يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ}: يدخل {فِي بَعْضٍ} ويختلط إنسهم بجنّهم حيارى، {وَنُفِخَ فِي الصور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} في صعيد واحد، {وَعَرَضْنَا}: وأبرزنا {جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ}، يعني يوم القيامة {لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا}.
ثمّ وصفهم فقال: {الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ}: غشاوة وغفلة {عَن ذِكْرِي}، يعني: الإيمان والقرآن {وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا}، أي لا يطيقون أن يسمعوا كتاب الله عزّ وجلّ ويتدبّروه ويؤمنوا به لغلبة الشقاء عليهم. وقيل: لعداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم {أَفَحَسِبَ}: أفظنّ. وقرأ عكرمة ومجاهد وعلي: {أفحسْبُ}، أي كفاهم ذلك {الذين كفروا أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي}، يعني عيسى والملائكة {مِن دوني أَوْلِيَاءَ}؟ كلاّ بل هم لهم أعداء ويتبرؤون منهم. قال ابن عباس: يعني: الشياطين، تولوهم وأطاعوهم من دون الله. وقال مقاتل: يعني: الأصنام، وسمّاهم عبادًا كما قال في موضع آخر: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: 194].
{إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالًا} يعني الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبتغون به ربحًا، فنالوا به هلاكًا وعطبًا، ولم يدركوا ما طلبوا، كالمشتري سلعة يرجو بها فضلًا وربحًا، فخاب رجاؤه وخسر بيعه. واختلفوا في الذين عُنوا بذلك فقال علي بن أبي طالب: هم الرهبان والقسوس الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع.
وقال سعد بن أبي وقّاص وابن عباس: هم اليهود والنصارى، نظيره: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تصلى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 3-4]. وروى سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل قال: سأل عبد الله بن الكوّا عليًا عن قوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالًا}، قال: أنتم يا أهل حروراء.
{الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، أي يظنون أنهم بفعلهم مطيعون محسنون {أولئك الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ}: بطلت وذهبت {أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا}، قال أبو سعيد الخدري: يأتي أُناس بأعمال يوم القيامة هي في العظم عندهم كجبال تهامة، فإذا وزنوها لم تزن شيئًا، فذلك قوله: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا}.
حدثنا القاضي أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن حبيب إملاءً: أبو بكر أحمد بن إسحاق ابن أيّوب عن محمد بن إبراهيم: يحيى بن بكير بن المغيرة عن أبي الزيّاد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة، اقرؤوا: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا}».
أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان عن مكي بن عبدان عن عبد الرحمن بن بشر عن مروان ابن معاوية عن المغيرة بن مسلم عن سعيد بن عمرو بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفّان رضي الله عنه يقول: الربا سبعون بابًا أهونهن مثل نكاح الرجل أُمه.
قال: وأربى الربى عرض أخيك المسلم تشتمه. قال: ويؤتى يوم القيامة بالعظيم الطويل الأكول الشروب الذي يشرب الظرف في المجلس فيوزن فلا يعدل جناح بعوضة، خاب ذلك وخسر، ثمّ تلا هذه الآية: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا}.
{ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ واتخذوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}، يعني سخرية.
{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفردوس نُزُلًا} اختلفوا في الفردوس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجنّة مئة درجة، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض. أعلاها الفردوس، ومنها تفجر أنهار الجنة، وفوقها عرش الرحمن فسلوه الفردوس».
وأخبرنا عبد الله بن حامد عن مكّي بن عبدان عن مسلم بن الحجاج عن نصر بن علي وإسحاق بن إبراهيم وأبي غسان واللفظ له قالوا: قال أبو عبد الصمد: قال عمران الجويني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبّي صلى الله عليه وسلم قال:«جنّات الفردوس أربع: جنتان من ذهب أبنيتهما ومافيهما، وجنتان من فضّة أبنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاّ رداء الكبرياء على وجهه».
وقال شهر: خلق الله جنّة الفردوس بيده فهو يفتحها في كل يوم خميس فيقول: ازدادي حسنًا وطيبًا لأوليائي. وقال قتادة: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها وأرفعها. وقال أبو أُمامة: الفردوس سرة الجنّة. وقال كعب: ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. وقال مجاهد: هو البستان بالرومية. وقال كعب: هو البستان فيه الأعناب. وقال الضحاك: هي الجنّة الملتفة الأشجار. وقيل: هي الروضة المستحسنة. وقيل: هي الأودية التي تنبت ضروبًا من النبات، وجمعها فراديس: وقال أُمية:
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة ** فيها الفراديس والفومان والبصل

{خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} أي يطلبون عنها تحولًا إلى غيرها، وهو مصدر مثل الصعَر والعِوج. قال مخلد بن الحسين: سمعت بعض أصحاب أنس قال: يقول أولهم دخولًا: إنما أدخلني الله أولهم؛ لأنه ليس أحد أفضل منّي. ويقول آخرهم دخولًا: إنما أخّرني الله، لأنه ليس أحد أعطاه مثل الذي أعطاني.
{قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البحر} الآية، قال ابن عباس: قالت اليهود: يا محمد تزعم أنا قد أوتينا الحكمة، وفي كتابك: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} [البقرة: 269] ثمّ يقول: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلًا} [الإسراء: 85] فكيف يكون هذا؟ فأنزل الله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البحر} أي ماؤه {قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} حكمه وعجائبه. وقرأ أهل الكوفة {قبل أن ينفد} بالياء؛ لتقدم الفعل، {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}: عونًا وزيادة.
وفي مصحف أُبي: {ولو جئنا بمثله مدادًا} ونظيرها قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} [لقمان: 27] الآية.
{قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} قال ابن عباس: نزلت في جندب بن زهير العامري، وذلك أنه قال للنبّي صلى الله عليه وسلم إنّي أعمل لله، فإذا اطّلع عليه سرنّي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ الطيب ولا يقبل ما شورك فيه»، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أنس: قال رجل: يانبي الله، إنّي أُحب الجهاد في سبيل الله، وأُحب أن يُرى مكاني، فأنزل الله: {قُلْ} يا محمد: {إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}: خلق آدمي مثلكم. قال ابن عباس: علّم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه، {يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ} لا شريك له {فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ}: المصير إليه. وقيل: معناه يأمل رؤية ربّه، فالرجاء يتضمّن معنيين: الخوف والأمل، قال الشاعر:
فلا كل ما ترجو من الخير كائن ** ولا كل ما ترجو من الشر واقع

فجمع المعنيين في بيت واحد.
{فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا}: خالصًا {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًَا}، أي ولا يراءِ. قال شهر ابن حوشب: جاء رجل إلى عبادة بن الصامت، فقال: أرأيت رجلًا يصلي يبتغي وجه الله عزّ وجلّ ويحب أن يحمد عليه، ويصوم يبتغي وجه الله عزّ وجلّ ويحب أن يحمد، ويتصدّق يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد عليه، ويحجّ يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد عليه؟ فقال عبادة: ليس له شيء، إن الله عزّ وجلّ يقول: «أنا خير شريك، فمن كان له معي شريك فهو له كله ولا حاجة لي منه». أخبرنا عبد الله بن حامد عن محمد بن عبد الله الجوهري عن حامد بن شعيب البجلي عن شريح بن يونس عن إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الشرك الأصغر». قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء يوم يجازي الله النّاس بأعمالهم».
أخبرنا عبد الله بن حامد عن مكّي بن عبدان عن عبد الله بن هاشم عن عبد الرحمن عن سفيان عن سلمة قال: سمعت جندبًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمّع سمّع الله به، ومن يراءِ يراءِ الله به».
وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبّي صلى الله عليه وسلم قال:«اتقوا الشرك الأصغر». قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء يوم يجازي الله الناس بأعمالهم».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا نزلت هذه الآية: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفيّ، وإيّاكم وشرك السرائر فإن الشرك أخفى في أُمتي من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء. ومن صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدّق يرائي فقد أشرك».
قال: فشقّ ذلك على القوم، فقال رسول الله: «أولا أدلّكم على ما يُذهب عنكم صغير الشرك وكبيره؟». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: قولوا: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم».
وقال عمرو بن قيس الكندي: سمعت معاوية بن أبي سفيان على المنبر تلا هذه الآية، {فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ} الآية، فقال: إنها آخر آية نزلت من القرآن. وروى سعيد بن المسيب عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوحي إلّي أن من قرأ: {فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ} الآية رفع له نور ما بين عدن أبين إلى مكة حشوه الملائكة».
وأخبرني محمد بن القاسم عن محمد بن زيد قال: أبو يحيى البزاز عن أحمد بن يوسف عن محمد بن العلا عن زياد بن قايد عن سهل بن معاذ عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورًا من قرنه إلى قدمه، ومن قرأها كلّها كانت له نورًا من الأرض إلى السماء». اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة الكهف: الآية 79].

{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}.
{لِمَساكِينَ} قيل كانت لعشرة إخوة، خمسة منهم زمنى، وخمسة يعملون في البحر {وَراءَهُمْ} أمامهم، كقوله تعالى: {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ} وقيل: خلفهم، وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره، فأعلم اللّه به الخضر وهو جلندى. فإن قلت: قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها} مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب، فلم قدّم عليه؟ قلت: النية به التأخير، وإنما قدم للعناية، ولأنّ خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها للمساكين، فكان بمنزلة قولك: زيد ظنى مقيم. وقيل في قراءة أبىّ وعبد اللّه: كل سفينة صالحة.